فما بالُنا بأهل زماننا؟ ﴿وإني مُتمسك بالكتاب والسُنة﴾
حكى الإمام الحافظ بن بطة العكبري حاله مع أهل زمانه فقال: (عجبت من حالي في سفرى وحضرى مع الأقربين مني والأبعدين؛ والعارفين والمنكرين؛ فإنى وجدت. بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها مرافقًا أو مخالفًا؛ دعانى إلى متابعة ما
يقوله، وتصديق قوله والشهادة له. فإن صدقته فيما يقول وأجزتُ له ذلك- كما يفعل أهل هذا الزمان- سَمانِى مُوَافقًا؛ وإن وقف في حرف من قوله أو شيء من فعله، سَمَّانِى مُخَالِفًا، وإن ذكرت في واحد منها أن كتاب الله والسُّنة بخلاف ذلك وارد، سَمَّانِي خَارِجِيًا، وإن قرأت عليه حديثًا في التوحيد سَمَّانى مُشَبهًا، وإن كان في الرؤية سَمَّانِي سَالِمِيًَا، وإن كان في الإيمان سَمَّانِي مُرْجِئِيًا، وإن كان في الأعمال، سَمَّانِي قَدَرِيًّا، وإن كان في المعرفة سَمَّانِي كَرَامِيًّا، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر، سَمَّانِي نَاصِبيًّا، وإن كان في فضائل أهل البيت، سَمَّاني رَافضِيًّا، وإن سكت عن تفسير آيه أوَ حديث فلم أجب فيهما إلَّا بهما سَمَّانِي ظَاهِرِيًّا، وإن أجبت بغيرهما سَمَّانِي بَاطِنِيًّا، وإن أجبت بتأويل سَمَّانِي أَشْعَرِيًا، وإن جحدتهما سَمَّاني مُعتزِليًا، وإن كان في السنن مثل القراءة سَمَّانِي شفْعَويًا، وإن كان في القنوت سَمَّانِي حَنَفِيًا، وإن كان في القرآن، سَمَّانِي حَنْبلِيًا، وإن ذكرت رُجحَان ما ذهب إليه كل واحد إليه من الأخبار- إذ ليس في الحكم والحديث محاباة- قالوا: طَعَنَ في تزكِيَتِهِمْ. ثم أعجبُ من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون على من أحاديث رسول الله ﷺ ما يشتهون من هذه الأسامى، ومهما وافقت بعضهم عادانى غيرهم، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله ، ولن يغنوا عني من الله شيئًا، وإنى مستمسك بالكتاب والسَّنَّة، وأستغفر الله الذي لا إله إلَّا هو، الغفور الرحيم).