أهل الكتاب، المراد بـ [أهل الكتاب]

[أهل الكتاب]:
                  •• المُراد بـ: «أَهْلِ الكِتَابِ» ••
❍ اعلَمْ -وفقكَ الله- أنّ قولنا: «أَهْلُ الكِتَابِ» مُركّب إضافي مِن الأهل والكتاب. 
• «الأَهْلُ» مِن: ‹أَ هَ لَ› وهو أَصلٌ يَدُلّ على الانتِمَاءِ والاسْتِئنَاسِ واختصاصِ الشيء بالشيء وقُربِه منه، يقال: أَهَلَ يَأهِلُ أَهْلًا ويَأْهُلُ أُهُوْلًا فهو آهِلٌ مَأهَلًا مَأهُولًا، مِن ذلك: ‹أهل الرجل›: زَوجُه -ويدخلُ فيه أولاده أيضًا-، و‹أهل الرجلِ›: عشيرته وذوو قرباه، و‹أهلُ البيت›: سُكّانُه، و‹أهلُ الدِّيْن›: مَن يَدِينُ به ويَذهَبُ إليهِ ويَعتَقِدُه، و‹أهلُ الأمر›: وُلَاتُه، و‹الأهلِيّ› مِن الدّواب: المُسْتَأنَسُ والآلِفُ للمكان -خلاف الوَحشِي-. 
• «الكِتَابُ» مِن: ‹كَ تَ بَ› يقال: كَتَبَ يَكتُبُ كِتَابًا فهو كَاتِبٌ مَكْتُوبًا، وبِغَضِّ الطَّرفِ عن المَبحَثِ اللغوي فإنَّ المرادَ بالكتاب: كتابُ اللهِ ﷻ الذي يحوي شرائعَ الدِّيْن، أي: التوراة والإنجيل، وأما ما كانَ مِن جنسِ صُحُفِ شيثَ وإبراهيمَ وزبورِ داودَ -أي كتابَ دعاءٍ وتَحمِيدٍ وتَمجِيدٍ ومواعظٍ وأمثال- فليسَ بمُراد ①، قال البغوي: «نَعني بأهلِ الكتاب: أهلُ التوراةِ والإنجيل، أما مَن تَمسّكَ بكُتبٍ أُنزِلَت على سائرِ الأنبياء -مثلَ صُحُفِ شيث، وزبورِ داود- فلا يقرونَ بالجِزيَة، ولا يَحِلُّ مُناكَحتُهم وذَبيحَتُهم» ② اهـ 
← فأهلُ الكتابِ في الأصل: هم اليهود والنصارى، ويقال لهم أيضًا: ‹أَهْلُ الكِتَابَيْنِ› أي التوراة والإنجيل ③، قال الإمام الشافعي رحمه الله: «وأهلُ الكتابِ الذينَ يَحِلُّ نكاحُ حرائرهِم: ‌أهلُ ‌الكِتابَيْنِ المَشهورَيْن؛ التوراة والإنجيل، وهم اليهود والنصارى» ④ اهـ 
- ودليلَ ذلك قولُ الله ﷻ: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾ [الأنعام: ١٥٦] وإنما عنى بقوله: ﴿طَائِفَتَيْنِ﴾ اليهود والنصارى بلا خلاف، وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٦٨] قال ابن زيد: «التوراةُ أُنزِلَت على اليهود، والإنجيلُ على النصارى» ⑤ اهـ 
... 
ويَثبتُ لأهلِ الكتابِ أحكامٌ أصلِيَّة لا خِلافَ فيها لوجودِ النَّصِّ الصريح مِن كتاب الله ﷻ: 
أ- تؤخَذُ منهم الجِزيَة، قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] قال قتادة: «هم أهلُ الكتاب، فأَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يُقاتِلَهُم حتى يُسْلِمُوا أو يُقِرُّوا بالجِزيَة» ⑥ اهـ 
ب- يباحُ لأهلِ الإسلامِ أكلُ ذَبائحِهم، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٥] قال الشعبي: «إنما أحَلَّ اللهُ ذَبائِحَهُم، وما كانَ ربكَ نَسِيًّا» ⑦ اهـ 
ج- يباحُ لأهلِ الإسلامِ مُناكَحَةُ نسائهِم، قال تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ [المائدة: ٥] قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: «نساؤهم ‌لنا ‌حِلٌّ، ونِساؤنا عليهم حرام» ⑧ اهـ 
قلتُ: وهي مسائل مَبسوطَة في أبوابِ أهلِ العَهدِ والذِّمَّة، والكلامُ فيها يطول، وليسَ ذا مقامُ بَسطِهَا. 
...
• واعلَمْ أنَّ اللهَ ﷻ وعدَ مَن آمَنَ وأحسَنَ مِن اليهودِ والنصارى والصابئةِ -الذينَ كانوا قبلَ مَبعَثِ النبي ﷺ- الجنةَ، وأمنهم مِن فَزعِ يومِ القيامة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢] وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة: ٦٩]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. المغني لابن قدامة، تـ التركي: (جـ١٣ صـ٢٠٤). 
⑵. التهذيب للبغوي، طـ العلمية: (جـ٥ صـ٣٧١). 
⑶. صحيح البخاري (ر٥٥٧، ر٢٢٦٨). 
⑷. الأم للإمام الشافعي، طـ الفكر: (جـ٥ صـ٧). 
⑸. تفسير ابن أبي حاتم: (جـ٤ صـ١١٧٥ ر٦٦٢٠). 
⑹. تفسير ابن جرير، تـ التركي: (جـ٨ صـ٢٥٥). 
⑺. مصنف عبد الرزاق: (جـ٥ صـ١٩١ ر٨٨٤٥). 
⑻. مصنف عبد الرزاق: (جـ٧ صـ١٣٥ ر١٣٥٦٧).
=
وذلكَ كلهُ مَشرُوطٌ بالإيمانِ والاتباع، وأما بعدَ أنْ بعثَ اللهُ ﷻ محمدًا ﷺ -خاتمَ النَّبِيِّين- فليسَ يقبَلُ الله مِن أَحَدٍ طريقةً ولا عَمَلًا إلا ما كانَ مُوافِقًا لشريعتِه التي بُعِثَ بها إلى الناسِ كافة.
...
❃ فأما ‹يهود›: فإنهم مَن انتسبَ مِن بني إسرائيلَ إلى مملكةِ يهودا بن يعقوبَ -عليهما السلام- سواء كانوا مِن نسلِ يهودا أو بنيامين أو لاوي أو غيرهم مِن الأسباط -عليهم السلام- ①، ثم غلبَ الاسمُ عليهم حتى استبدلوا اسمَ الإسلامِ باسمِ اليهودية، وهم يَسبِتُونَ السّبت، وكتابُهم التوراة، وعندهم مِن كتبُ الأنبياءِ وصُحفِهم شيءٌ كثير؛ كالزبور، ومصحف دانيال، وغير ذلك، وكان بعدَ المسيح -عليه السلام- أنْ شَتَّتَهُم اللهُ في الأرضِ وأجلاهُم عن الدِّيار المُقَدَّسَة بأيدي الرومان، وعامةُ مَن يَنتسِبُ إلى اليهوديةِ اليوم فمِنَ الأُمَمِيِّينَ الذينَ تَهَوَّدُوا وليسوا إسرائيليين. 
...
❃ وأما ‹النَّصَارَى›: فإنهم الذين آمنوا بالمسيح عيسى ابن مريم، أوائلهم مِن بني إسرائيل، وكتابهم الإنجيل، وهم على حُكمِ التوراةِ إلا ما جاءَهُم الإنجيلُ بنَسخِه، ولكن الرومَ ظَهَرَت عليهم فقتلتهم، ثم تَنَصَّرَت الروم مِن بعدِ ذلك، فاتّخَذُوا الأحَد مكانَ السّبت، وانقسموا إلى طوائفَ أكثرها تُألِّهُ المسيح؛ فمنهم مَن قال: ‹هو الله›، ومنهم مَن قال: ‹ابنُ الله›، ومنهم من قال: ‹هو اللهُ وابن الله›، وقالوا غيرَ ذلك مِن الأقوال -سبحانِ الله وتعالى عمّا يشركون!- 
واختُلِفَ في تَسمِيَتِهم بالنصارى على قولين؛ الأول ما قاله الزهري: «‌سُمّوا ‌نصارى لأنَّ الحَوارِيِّينَ قالوا: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢]» ② اهـ، والثاني ما قاله الكلبي: «كانت قريةُ عيسى تُسَمّى: نَاصِرَة، وكان أصحابُه يُسَمّون: النّاصِرِيِّين، وكان يقال لعيسى: ‌النّاصِرِيّ، فلذلك سُمِّيَت النصارى» ③ اهـ 
... 
❃ قلتُ: وقد اختلفوا في ‹السَّامِرَة›، والصوابُ أنهم مِن أهلِ الكتاب، بل إنَّ أمرَهُم بَيِّنٌ عندَ مَن عَلِمَ خَبَرَهُم؛ فهم طائفةٌ مِن بني إسرائيل فارقت اليهود، وعامتهم مِن سبطِ يوسف -عليه السلام-، وهم يَسبِتُونَ السّبت، وكتابهم التوراة، إلا أنهم كفروا بكلِّ نبيٍّ بُعِثَ مِن بعدِ موسى وهارون -عليهما السلام-، وكفروا بكلِّ كتابٍ مِن بعدِ التوراة، وقد كان فريقٌ منهم -درجَ وانقَرض- يَكفُر بالبعث، ولا يُحِيلُ ذلكَ حُكمَهُم؛ قال عمر الفاروق -رضي الله عنه- لَمّا سُئِلَ عنهم: «إنهم طائفةٌ مِن أهل الكتاب، ذبائِحُهم ذبائحُ أهلِ الكتاب» ④ اهـ
❒- قال مهنا بن يحيى: سألتُ أبا عبد الله [يعني أحمد ابن حنبل] عن ذبائحِ ‌السامرة، قال: «تُؤكَل، هم مِن أهل الكتاب» ⑤ اهـ 
❒- قال ابن سحنون: «كتبَ عمرُ في ‌السامرة: "أنهم صِنفٌ مِن أهلِ الكتاب"، قال سحنون: وبهذا نقول في ذبائحِهم وغيرها» ⑥ اهـ 
☜ فإن قال قائل: "فلِمَ لم يَذكُرِ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُه- السامرةَ مَع مَن ذَكَرَهُ مِن اليهودِ والنصارى والصابئينَ الذينَ وعدَهُم الجنة؟"، قيل: لم يَكُنِ اللهُ لِيَجعَلَ مَن كَفَرَ بأنبيائه وكُتُبِه معَ مَن آمَنَ بها؛ وذلكَ أنهم كفروا بكلِّ كتابٍ أُنْزِل ونَبِيٍّ أُرسِلَ مِن بعدِ موسى، فمَن ماتَ منهم قبلَ مَبعَثِ محمد ﷺ ماتَ كافرًا وكان مِن أصحابِ النار. 
...
- قلتُ: وقد اختلفوا في ‹الصَّابِئَة› أيضًا، وصَوابُ القولِ فيهم أنهم طوائفُ مُفتَرِقَةٌ مُختَلِفَة، وإنما سُمّوا صَابِئِيْنَ مِن صَبَأَ يَصبَأُ صُبوؤًا فهو صَابِئٌ، وهو أصلٌ يَدُلُّ على خروجٍ وبُروز ⑦، قال أبو عبيد: «إنَّ الصَّابِئَ عندَ العرب: الذي قد خرجَ مِن دِيْنٍ إلى دِيْن، يقال: "قد صَبَأْتَ في الدِّيْن" إذا خرجتَ منه ودخلتَ في غيرِه، ولهذا كان المشركونَ يقولونَ للرجلِ إذا أسْلَمَ في زمنِ النبي ﷺ: "قد صَبَأَ فلان"، ولا أظنُّ الصّابئِينَ سُمّوا إلا مِن هذا؛ لأنهم فارَقُوا دِيْنَ اليهودِ والنصارى وخرجوا منهما إلى دِيْنٍ ثالث» ⑧ اهـ 
❃ فأما ‹الصَّابِئَة الحَنِيفِيَّة› فهم قومٌ باقونَ على فِطرَتِهم، ولا دِيْنَ مقررٌ لهم يَتَّبِعُونَه ويَقتَفُونَه، ولهذا كان المشركونَ ينبزونَ مَن أسْلَمَ بالصَّابِئ، أي: أنه قد خرجَ عن سائرِ أديانِ أهلِ الأرضِ إذ ذاك ⑨. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. في ذا تفصيلٌ تاريخيٌّ ليسَ ذا مقامُ بَسْطِه. 
⑵. تفسير الثعلبي، طـ التفسير: (جـ٣ صـ٣٥٣). 
⑶. طبقات ابن سعد، طـ صادر: (جـ١ صـ٥٤). 
⑷. مصنف عبد الرزاق، طـ تأصيل: (ر١٠٨٨٧). 
⑸. أهل الملل والردة للخلال: (صـ٤٣٩ ر١٠١٩). 
⑹. النوادر والزيادات، ط الغرب: (جـ٣ صـ٣٥٧).
⑺. مقاييس اللغة، طـ الفكر: (جـ٣ صـ٣٣٢). 
⑻. غريب الحديث، طـ الأميرية: (جـ١ صـ٣٠٥).
⑼. تفسير ابن كثير، تـ السلامة: (جـ١ صـ٢٨٧).
❒- قال ابن جريج: قلتُ لعطاء: ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٢] زعموا أنها قبيلةٌ مِن نَحوِ السّواد، ليسوا بمجوسٍ ولا يهودٍ ولا نصارى، قال: «قد سَمِعنَا ذلك، وقد قال المشركونَ للنبي ﷺ: "قد صَبَأَ"» ① اهـ 
❒- عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه أنه قيلَ له: ما ‌الصابئين؟ قال: «الذي يَعرِفُ اللهَ وحدَه، وليسَت لهُ شريعةٌ يَعمَلُ بها، ولم يُحدِث كُفرًا» ② اهـ 
❒- عن بكار قال: سمعتُ وهبًا يقول: «كان تُبَّعُ صَابِئًا»، قلنا: يا أبا عبد الله، وما الصَّابِئُ؟ قال: «على دِيْنِ ‌إبراهيم» ③ اهـ 
... 
❃ وأما ‹الصَّابِئَة الكِتَابِيَّة› الذينَ لهم حكمُ أهلِ الكتاب: فهم قومٌ لا شَرِيعَة لهم في الأصل، إنما أتوا إلى اليهودِ فأخذوا بأحسنِ ما عندهم، وأتوا إلى النصارى فأخذوا بأحسنِ ما عندهم، وهم يَدِينُونَ للهِ بالتوراةِ أو الإنجيل، ويقولونَ: ‹لا إله إلا الله›، ويؤمنونَ بالملائكةِ والأنبياء، وبالبعث بعدَ الموت، ويصومونَ مِن كلِّ سنةٍ شهرًا، ويُصَلّونَ في اليومِ خمسَ صلوات. 
قلتُ: فمَن كان مِن هذه الطائفةِ مِن الصابئة فهو مَعدودٌ في أهل الكتاب، إلا أنهم قد "دَرَجُوا وانقَرَضُوا؛ فلا عَينٌ ولا أَثَر" كما قال عبد العزيز بن يحيى ④، وهو كما قال. 
❒- عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد أنه سُئِلَ عن الصابئين: أَمِنْ أهلِ الكتابِ هُم، وطعامُهم ونساؤهم حِلٌّ للمسلمين؟ فقال: «نعم» ⑤ اهـ 
❒- قال سفيان الثوري: سألتُ السدي عن ‌الصَّابِئِيْن، فقال: «هم طائفةٌ مِن أهلِ الكتاب» ⑥ اهـ، قلتُ: وكذا قال أبو العالية ⑦، وقال ابن أبي حاتم: «ورُوِيَ عن الضحاك، والسدي، والربيع بن أنس، وجابر بن زيد» ⑧ اهـ 
❒- عن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: «‌الصابئونَ قومٌ مِمّا يلي العراق، وهم بكوثى، وهم يؤمنونَ بالنَّبِيِّينَ كلّهِم، ويصومونَ مِن كلِّ سَنَةٍ ثلاثينَ يومًا، ويُصَلّونَ إلى اليمنِ كلَّ يومٍ خمسَ صلوات» ⑨ اهـ 
❒- ذَكَرَ الكوسج أنه قال لإسحاق ابن راهويه: ذَبائِحُ الصابئين؟ فقال: «لا بأسَ بذَبائحِ ‌الصابئين؛ لأنهم طائفةٌ مِن أهلِ الكتاب» ⑩ اهـ 
❒- وقال الإمام أحمد في ذَبائحِ الصابئين -كما مِن رواية صالح وحنبل-: «أمّا مَن ذهبَ مذهبَ عمر -رضي الله عنه-، فإنه قال: "يَسْبِتُونَ السّبت"، كأنه جعلهم بمَنزِلَةِ اليهود، فلا بأسَ به» ⑪ اهـ، وقال مِن رواية محمد بن موسى: «إذا أسبَتُوا يُشَبَّهونَ باليهود» ⑫ اهـ 
❒- قال حنبل في ذَبائحِ الصابئين: قلتُ لأبي عبد الله: والصابئين؟ قال: «هم جِنسٌ مِن النصارى، إذا كانَ لهم كتابٌ أُكِلَ» يعني: مِن ذَبائحِهم ⑬ اهـ 
...
← قلتُ: وما سِوَى ذلكَ مِن الطوائفِ التي تَنتَحِلُ اسمَ الصابئةِ فهم مشركونَ وَثَنِيُّون، لا تَحِلُّ ذَبائِحُهم ولا مُناكَحةُ نِسائِهم، مِثلَ ‹الحَرَّانِيَّة الزَّنادِقَة› الذينَ انتَحَلُوا اسمَ الصابئةِ أيامَ المأمونِ فَرَقًا مِن السيف، فأنه لم يكن بحَرّانَ ونَواحِيهَا قومٌ يُسَمّونَ بالصابئةِ يومئذ ⑭، وبَسطُ الكلامِ في طُرقِ هؤلاءِ الوَثَنِيّينَ ومَذاهِبهم يطول، ونَسْتَغنِي عن ذلكَ بذِكْرِ الآثار. 
❒- عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: «‌الصابئونَ مَنزِلَةٌ بينَ النَّصرانِيَّةِ والمَجُوسِيَّة» ⑮ اهـ 
❒- عن الحجاج، عن مجاهد قال: «‌الصابئونَ بينَ المجوسِ واليهود، لا تؤكلُ ذَبائِحُهم، ولا تُنكَحُ نِساؤهُم» ⑯ اهـ 
❒- عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قال: «‌الصابئونَ قومٌ مِن المشركينَ بينَ اليهودِ والنصارى، ليسَ لهم كتاب» ⑰ اهـ 
❒- قال مطرف: كُنّا عندَ الحكم بن عتيبة، فحَدَّثَهُ رجلٌ عن الحسن البصري أنه كان يقول في ‌الصابئين: "هم بمَنزِلَةِ المجوس"، فقال الحكم: «أليسَ قد كنتُ أخبَرتُكم بذلك؟» ⑱ اهـ 
❒- عن قتادة، عن الحسن البصري قال: «‌الصابئونَ بينَ المجوسِ واليهود، لا تؤكلُ ذَبائِحُهم، ولا تُنكَحُ نِساؤهُم» ⑲ اهـ 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. تفسير ابن جرير، تـ التركي: (جـ٢ صـ٣٦). 
⑵. تفسير ابن أبي حاتم: (ر٦٤١، ر٦٦٢٩). 
⑶. تفسير القرآن لعبد الرزاق: (جـ٢ صـ٢٠٩). 
⑷. الثعلبي، طـ دار التفسير: (جـ٣ صـ٣٥٧). 
⑸. الأموال لأبي عبيد: (صـ٦٥٥ ر١٧١٤). 
⑹. تفسير ابن جرير، تـ التركي: (جـ٢ صـ٣٧). 
⑺. تفسير ابن جرير، تـ التركي: (جـ٢ صـ٣٧). 
⑻. تفسير ابن أبي حاتم: (جـ١ صـ١٢٧ ر٦٣٩). 
⑼. التفسير لابن وهب: (جـ١ صـ٦٣ ر١٤١). 
⑽. المسائل: (جـ٨ صـ٣٩٥٨ ر٢٨١٨). 
⑾. أهل الملل للخلال: (صـ٤٣٨ ر١٠١٣، ر١٠١٥). 
⑿. أهل الملل للخلال: (صـ٤٣٩ ر١٠١٧). 
⒀. أهل الملل للخلال: (صـ٤٣٨ ر١٠١٦). 
⒁. الفهرست، طـ الفرقان: (جـ٤ صـ٣٦٣). 
⒂. الدر المنثور، تـ التركي: (جـ١ صـ٣٩٦). 
⒃. تفسير ابن جرير، تـ التركي: (جـ٢ صـ٣٥). 
⒄. الأموال لأبي عبيد: (صـ٦٥٥ ر١٧١٤). 
⒅. الأموال لأبي عبيد: (صـ٦٥٤ ر١٧١٤).
⒆. تفسير ابن جرير، تـ التركي: (جـ٢ صـ٣٥).
❒- قال قتادة: «هم قومٌ يُقِرّونَ بالله -عز وجل-، ويعبدونَ الملائكة، ويَقرَؤُونَ الزّبور، ويُصَلّونَ إلى الكعبة، أخذوا مِن كلِّ دِيْنٍ شيئًا!» ① اهـ 
❒- عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: «قالت الصابئة: نحنُ ‌نَعبدُ ‌الملائكةَ مِن دُونِ الله» ② اهـ ...

• الكلامُ عن ‹المَنْدَائِيَّة النَّاصُوْرَائِيَّة›:

وأما المَنْدَائِيُّونَ النَّاصُوْرَائِيُّوْن، والذينَ يُسَمُّونَ أنفسهُم: الصَّابِئَة المَنْدَائِيَّة، وقد يقال لهم: صابئة البَطائِح، أو الصُّبَّة، أو المُغتَسِلَة، ويَتكَلَّمُونَ بلُغَةٍ آرامية شرقية، فليسوا هم مِن الصابئةِ في شيء؛ فإنهم قومٌ على دِيْنِ الفلسفةِ الغنوصية، ودِيْنُهم خليطٌ مِن الوثنية، والمجوسية، والمانوية المثنوية، وغير ذلك، وفيهم تأثُّرٌ باليهودية والنصرانية في الظاهر. 
وهم مِن أشدِّ الناس شِركًا باللهِ ﷻ، فليسوا يَدِينُونَ بالتوحيد -وإن زعموا-؛ فهم يُعَطِّلُونَ الحيَّ القيومَ عن كلِّ فِعل، وليسَ هو عندهم بالمُسَمَّى أو المَوصوف، ولا صورةَ له، ويقولون: "إنه انبَثَقَ منه"، ويُعبِّرُونَ عنه بقولهم: "هو الحياة والنور والحكمة والمعرفة". 
ويعتقدونَ بالفيضِ الإلهي؛ فيزعمون أنه انبثقَ مِن النور المُطلَق ما يُسَمّونَه: ‹مَنْدَا إدْ هَيِّي› وهو الفيضُ الأول الكائن المُتَجَلِّي الذي يمثل الحكمةَ والمعرفة الإلهية، ويَتَوَجَّهُونَ إليه بالتَّسابيحِ والتَّراتِيل، والفيوضُ عندهم مُتَسلْسٍلَة. 
وهم قومٌ يَدعُونَ الملائكة صُراحًا ويزعمونَ أنها برأت البَرايا وخَلَقَت الخَلائق، ويقدسونَ ما يُسَمّونَها ‹أوثرا› التي تَحِلُّ في الكواكب، ولهم اعتقاداتٌ مِن جنسِ اعتقاداتِ الرَّوحانِيِّين، ويزعمونَ أنَّ الأفلاكَ والجُرُمَ السَّماوِيَّة مؤثرةٌ في الأرضِيّات. 
وقد وجدتُ في بعضِ كتبِ هذه الطائفةِ الملعونَة طعنًا بالله سبحانه وتعالى أكرَهُ ذِكرَه، وتَكذِيبًا برسول اللهِ ﷺ، واستِنقاصًا له، واستِهزاءً به، وهم يكتمونَ هذا عن الناسِ. 
ولا يألونَ جُهدًا في استخراجِ آياتٍ مِن القرآن يُحَرِّفُونَهَا عن مَواضِعهَا لِيُوهِمُوا أنهم قد ذُكِرُوا في كتابِ الله وأنهم مِن أهلِ الكتاب لِيَنالُوا مِن أهلِ الإسلامِ عَهْدًا وذِمَّة، وليس يَبعدُ أن يكونَ هؤلاءِ قد انتَحَلُوا اسمَ الصابئةِ كما فعلَت الحَرّانِيَّة؛ إذ لا يُعرَف أنهم قد تَسَمّوا بهذه التَّسمِيَة إلا بعدَ الفتوح. 
وقد وَهِمَ مَن ظَنَّ أنهم الصّابِئَة الذينَ وُعِدَ مَن آمَنَ منهم -قبلَ مَبعَثِ محمد ﷺ- بالجنة؛ فإنَّ هؤلاءِ لو ماتوا على إلحادِهم لكانوا مِن أصحابِ الجحيم، وأولئكَ قومٌ لو ماتوا على دِيْنِهم لنَفعَهُم إيمانُهم، وليسَ معنى الصابئةِ أولئكَ إلا مِن ‹صَ بَ أَ› الأصلُ الدّالُّ على الخروج كما أسْلَفنَا، وأما هؤلاءِ فإنَّ اسمهم (صابئة) مِن الجذرِ الآرامي ‹صَبَا› -غير مهموز- والألفُ فيه مُبْدَلَةٌ مِن الغين، أي: ‹صَبَغ› وذلكَ أنهم يصبغونَ بالماء، وأما (مَنْدَائِيَّة) فإنها مِن "مَنْدَا" والألف فيها مبدلةٌ مِن العين، أي: (مَنْدَع) مِن دون إدغامِ النونِ بالعين (مَدَّع) مِن الادعاء، وهي المَعرِفَة بلِسَانِهم، فهم: ‹الصَّابِغَةُ المُدَّعِيَة› أي: العَارِفَة، وشَتَّانَ بينَ المِلَّتَيْن. 
...

❃ وخلاصةُ القولِ في أهلِ الكتاب ما قاله الإمام أحمد: «كلُّ مَن يَصِيرُ إلى كتابٍ فلا بأس» ③ اهـ 

          •• وَالحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَـٰلَمِيْنِ ••
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. تفسير الثعلبي، طـ التفسير: (جـ٣ صـ٣٥٦). 
⑵. تفسير ابن أبي حاتم: (جـ٦ صـ١٧٨٢ ر١٠٠٤٦).
⑶. أهل الملل والردة للخلال: (صـ٤٣٩ ر١٠١٨).