يتفجرّ العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة عن نواحيه،يستوحش من الدنيا وزهرتها

قال معاوية لضرار الصّدائي: صف لي عليًا. قال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنّه. قال: أما إذ لا بد من صفته، فكان والله بعيدة المدى، شديدة القوى، يقول فصلًا، ويحكم عدلًا، يتفجرّ العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة عن نواحيه،يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير العبرة،طويل الفكرة، يقلب كفه ويحاسب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوى في باطله، ولا ييأس اللضعيف من عدله، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد تمثل في محرابه قابضًا على لحيته، يتملل تملل السليم، (اللديغ والجريح أشرف على الهلاك كأنهم يتفاءلون له بالسلامة) ويبكى بكاء الحزين، يقول: يا دينا! غرّى غيري، إلىّ تعرضت؟ أم إلىّ تشوقت؟ هيهات هيهات، قد طلقتكِ ثلاثًا لا رجعة لى فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال حزن من ذبح واحدها في حجرها.
📚 « بهجة المجالس وأنس المجالس »